قبل أن تبدأ في أي عمل تجاري أو مهني يجب عليك الإلمامُ تماماً بكافة التفاصيل الدقيقة للمؤثرات والقوى التي تدفع العميل أو المستهلك الى شراء منتجاتك أو خدماتك .
هذه المؤثرات أو القوى يتجاوز أثرها المباشر حدود صناعة أسواق وفُرَص جديدة الى تمكينك من أساليب الهيمنة على السوق بطريقة غير مشروعة . فهي إذاً تُمسِكُ بأسباب نمو السوق وأسباب كساده ، ولذلك أمكن تسميتها بسائق السوق حيث أنها المسيطر فِعلاً وبالتالي تَعرِفُ مسبقاً اتجاهات السوق والفرص السانحة .
السيطرة على سائق السوق تعني السيطرة على السوق نفسه بحيث يستأثر المُسَيطر بالفُرَص ليُصبِحَ قادراً على الاستمتاع بما يشاء منها وترك الأقل ربحية ليتنازعها المنافسون .
عدالة السوق تعني أن المستهلك أو العميل هو الذي يقودُه ، أي أنه هو الذي يقودُ السوق وما يتخللها من فُرَصٍ على نحو يَضمنُ تقسيم الحصص بين المتنافسين بطريقة عادلة .
العدالة في تقسيم سوق المحاماة والخدمات القانونية كغيرها تعتمد في المقام الأول على قُدرة المنشأة – مكتب أو شركة المحاماة- على إشباع إحتياجات العميل . لكن كيف يستطيع العميل معرفة المُحامي ؟ ثُم كيف يستطيع العميل معرفة المُنشأة الأقدر على إشباع احتياجاته القانونية ؟
كانت تلك توطئة لتعرية نشاطات هيئة المحامين، وإزالة جميع الأقنعة، وجعلها قسراً شفَّافةً بحيثُ يستطيعُ أعضاء جمعيتها العمومية بسط الرقابة على الآداء بشكل أكثر فِطنة وكفاءة وفعالية .
العميل يتعرف على المحامي من خلال الإسم ، والإسم يحتاج سُمعةً وثقة ، وهذان بأتيان من النشاطات المتعلقة بالعلاقات العامة.
الآن هيئة المحامين وقبلها لجان غُرَف التُجّار كانوا مستحوذين تماماً على نشاطات العلاقات العامة، فضلاً عن أصحاب الفضيلة القضاة السابقون الذين دخلوا سوق المحاماة متشبثين بألقابهم السابقة .
هذا التشبث مخالفٌ بطبيعة الحال للنظام ، حيث أنه أُسلوبٌ دعائيٌ ممجوج ، فالمحامي ومن خلال هذه الدعاية الرخيصة يبعثُ رسالةً الى العميل مفادها أنه الأقدر على إشباع احتياجاته ، بالضبط كما يفعل التُجّار ، حتى وإن كان الواقع مخالفٌ تناماً لمُحتوى رسالته ، فقد يكتبها أحدهم وهو لم يُمارس القضاء حقيقةٌ ، بل ربما أنه مُبعَدٌ من القضاء لضعف الآداء أو ربما لأسباب تأديبية.
وذلك الاستحواذ على نشاطات العلاقات العامة مع غياب رقابة مجلس المنافسة على السوق لا تجعل السمعة والثقة المُستحقَّة تتدفق الى عقل العميل وإنما تجعل الصيت هو يملأ عقله ووجدانه. ” الصيت ولا الغنى “
نشاطات العلاقات العامة تلك وبعد الهيمنة والاستحواذ عليها باتت تُدار بطريقة فجّة ومضرّة . فقد وصل السوء بها مرحلة لا تُطاق ، فباتوا يقدِّمون أشخاصاً ليس لهم حظاً من المعرفة القانونية أو الشرعية ، بل إن منهم من لم يجِف حبر رخصة المحاماة الخاصة به بعد ، بل أذكر أن أحدهم لا يُميِّز بين سوء النية والقصد الجنائي ويُزجّ بإسمه لتقديم ندوات في هذا الشأن ، لا لشيء وإنما لأسباب لا تمُتُّ للمهنية بصِلة .
مثل هذه التجاوزات بعثت رسالة خاطئة الى المجتمع ومفادها أحد إثنين ، أولاهما أن مستوى المُحامي أقلّ بكثيرٍ من التوقعات ، ومن ثم أسهمت في تقليص السوق ، فالعميل المُحتمَل باتَ محبطاً يائساً من هذه السوق وغير مستعد للوثوق بها .
وثانيها أن المحامي الثقة عُملَةٌ نادرة، وهو ذلك الذي استطاع الظهور بشكل جيد عبرَ حملة العلاقات العامة .
الاستحواذ على حملة العلاقات العامة يعني استحواذك على المناسبات لتختار منها ما يفي بغرض إضفاء الصيت على شخصيتك وتزجُّ بالبُسَطاء الى ما عداها .
هذا الاستبداد يجعلك تقود هيئة المحامين لتوزيع الصيت والسمعة وكأنها بعض من أموالك الخاصَّة .
فالمتأمل في أول اجتماع تعقده هيئة المحامين السعودية يجد أن الكلمات وُزِّعت بطريقة لا أُريكم إلا ما أرى أو كأنها – أي الهيئة – ليست إلا امتداداً لثقافة غُرف التجار .
فَصِيتُ الاجتماع وسمعته سيُجيَّرانِ مجاناً الى جامعة خاصَّة !! ، ومعلوم أن هذا اجتماع تاريخيٌّ حيث أنه أول اجتماعات الهيئة ، ولو أُتيحت الفرصَة لوجدوا عشرات الشركات الخاصَّة مستعدةٌ لرعايته وإظهاره بشكل أكثر من رائع . ثم إن الكلمات التي تم اختيار بعض الزملاء لتقديمها جزء من حملة العلاقات العامة الرامية الى تلميع وتحسين الصورة ، وبالرغم من ذلك تم اختيارهم دون كشف لمعايير الاختيار غير الصداقة والمعرفة والقُربى ، ثم ينزعجون حينما يُساءُ الظن بهم وتثورُ تُهَمٌ كالعُنصرية والمناطِقية .
أثِق بنزاهة الزملاء أعضاء مجلس إدارة هيئة المحامين السعودية ، أو بالأحرى لم أشهد ما يجعلني أشكُّ في نزاهتهم ، وإنما أجزم على أنهم يُعانون قصر النظر الإداري ، وما تلكم الأخطاء إلا بعض أعراضِ ذلك المرَض .
إذا لم يتفادى معالي الوزير رئيس هيئة المُحامين وأعضاء المجلس الكِرام تلكم المشكلة ويقتلعوها من جذورها مبكراً فإنهم سيُسهمون في تعزيز الفوضى في سوق المحاماة والخدمات القانونية .
المحامي : خالد بن عبد الكريم البابطين