تنظيم الهيئة والقانون الدستوري في المملكة العربية السعودية

كَثُرَ اللغط حول دستورية التنظيم الجديد لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر ، ولأن موضوع الدستورية موضوع خطير وعلى أساسه تتحقق مشروعية الأنظمة وجواز اتخاذها حُجة في مواجهة المُخاطبين ، ولأن أساتذة كِبار وقعوا – في تقديري – في خطأ تقرير عدم دستوريته ، فإنني وجدت أن من الواجب الكتابة في هذا الموضوع على نحو يُزيلُ اللبس ويُسهِمُ بالتالي في تحقيق الاستقرار في نفوس المُخاطبين.

‏• الذين يُطالبون بضرورة إلغاء نظام الهيئة بمرسوم ملكي إنما يطلبون انتهاك مبدأ الفصل بين السُلطات .
‏كيف ؟

‏• معلوم أن للدولة سُلُطات ثلاث :
‏•تنفيذية
‏•تشريعية
‏•قضائية
‏ومجلس الوزراء هو المُهيمن على السلطة التنفيذية وذلك بحسب المادتين ١٩ و ٢٤ من نظام مجلس الوزراء

‏•المادَّة الرابعة والعشرون من نظام مجلس الوزراء لم تكشف  تلك الهيمنة فحسب ، بل زادت في فقرتها الثانية أن المجلس يملك حق إنشاء قواعد قانونية.

•وبهذا فإن نظام مجلس الوزراء الصادر بأعلى إرادة ملكية “الأمر الملكي ” رفعت من قيمة قرارات مجلس الوزراء وجعلتها وحدها وبمفردها قادرة على إحداث القواعد القانونية الداخلة ضمن إطار السُّلطة التنفيذية

‏•جهاز الهيئة تابعٌ  للسلطة التنفيذية ، ومجلس الوزراء بات وبعد صدور نظام مجلس الوزراء هو المهيمنٌ على تلك السُّلطة ، وبعد صدور النظام الأساسي للحُكم صارَ مستَقِلاً كذلك عن السلطة التشريعية.
‏إذاً ماذا يعني تدخل المرسوم الملكي لإحداث التغيير ؟

‏•المرسوم الملكي هو الاداة التي تكشف إرادة السُّلطة التشريعية، وتدخلها في تعديل القواعد المنظمة للهيئة إنما هو تدخل في عمل السلطة التنفيذية وانتهاك لاستقلالها .

‏•فالمنطق القانوني السليم يقول إن الهيمنة تقتضي المَنع،وحق إحداث القواعد القانونية يُجيز بداهةً الإلغاء.
‏فهيمنة مجلس الوزراء تمنع تدخل السلطة التشريعية لتنظيم الهيئة

‏• وحق مجلس الوزراء في إحداث قواعد قانونية تحكُم وتنظِّم عمل الهيئة يقتضي بداهةً حق المجلس في إلغاء القواعد السابقة .

‏• ومقتضيات الهيمنة ولوازم الإحداث كشفت وبلا شك آلية جديدة لتغييرالأنظمة التي كانت سارية قبل النظام الأساسي للحكم .

‏• والأمر الملكي الكريم  كشَفَ في فقرته الثالثة آلية التغيير وقرَّر وجوب اتفاقها معه ، أي وجوب اتفاق آلية التغيير مع نظام مجلس الوزراء وبالطبع وجوب اتفاقها مع النظام الأساسي للحُكم .

‏• وبالتالي وحتى يكون تغيير نظام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر متفقاً مع الأنظمة الأساسية فإنه لا يحتاج أكثر من الإرادة المنفردة لمجلس الوزراء، ومن يقول بغير ذلك فإنما يسلُبُ المجلس حق الهيمنة وحق إحداث القواعد القانونية والثابت في المادة الرابعة والعشرون من نظام مجلس الوزراء وتحديدا في الفقرة الثانية منها.

‏•ومن يشترط وجود المرسوم الملكي فإنما يطلب تدخُّل أداة السلطة التشريعية لتنظيم أعمال السُّلطة التنفيذية منتهكاً بذلك مبدأ الفصل بين السلطات ، فالمراسيم الملكية ليست من أدوات السُّلطة التنفيذية وإنما هو أداة تستعملها السُّلطة التشريعية لتقوم بوظيفتها لإحداث الأنظمة مثل نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية

‏•وحفظاً لمبدأ الفصل بين السلطات ، نجِد أن السلطة التشريعية وحينما وضعت نظام الإجراءات الحزائية قرَّرَت اختصاص رؤساء الهيئات بالضبطية الجنائية وتركت للسٌّلطة التنفيذية حق رسم دائرة اختصاصاتها .

‏•فالفقرة السادسة من المادة السادسة والعشرون من نظام الإجراءات الجزائية، تكشف كيف أن واضع النظام توقَّف بطريقة ذكيَّة عند حدود اختصاص السلطة التنفيذية ، محترماً بذلك مبدأ الفصل بين السُّلُطات.

‏•قد يَسأل سائل ماذا بَقي من أثر قانوني لتلك الفقرة حينما ألغت السلطة التنفيذية اختصاص هيئة الأمر بالمعروف بالضبط الجنائي!؟

‏• الأثر القانوني يكمن في قدرة مجلس الوزراء وبإرادته المنفردة وفي أي وقت يشاء إعادةَ رسم دائرة اختصاص الهيئة بالضبطية الجنائية ، في حين أن السُّلطة التشريعية وفي حال ألغت تلكَ الفقرة فإنما تحُدُّ من هيمنة مجلس الوزراء على السُّلطة التنفيذية وبالتالي تقعُ في خطأ انتهاك مبدأ الفصل بين السُّلُطات.

بقلم المحامي والمستشار القانوني خالد بن عبدالكريم البابطين

Comments are closed.